فن التجليد الاسلامي
فن التجليد الإسلامي
فن التجليد الإسلامي: تأريخ وآثار
يقيم متحف الفنون الإسلاميَّة بماليزيا معرضًا حولَ فنِّ التجليد الإسلامي، في الفترة مِن الثامن من مايو 2017 إلى نهاية ديسمبر مِن العام نفسِه، ويُبرز المعرضُ أكثرَ من سبعين قطعة فنِّية مِن مقتنياته الأثريَّة، التي تُشكِّل مجموعُها العناصرَ الأساسيَّة لتجاليد مُختلف أنحاء العالَم الإسلامي، تتوزَّع المعروضات المختارة؛ زمانيًّا ومكانيًّا، بدايةً مِن العصر المملوكي في مصر والشام، مرورًا بإمارات شمال إفريقيا والمغرب، والأندلس والسودان، والهند وتركيا وإيران، عبر القرون، حتى جنوب شرق آسيا متضمنةً الملايو وجاوة، وانتهاءً بالصِّين، وهي بثراء تنوُّعها تُجلي تفاصيلَ التقاليد الإسلاميَّة عامَّةً، وتقاليد الكتاب خاصَّة، والامتزاج الحضاري الاسلامي بالثقافات المحلِّية.
وتُعدُّ صَنْعَةُ التجليد وفنُّه ركنًا رئيسًا مِن أركان عمليَّة صناعة الكتاب (المخطوط)، يسعى إلى تَجميع أوراق وصَفحات المخطوط معًا، وتحفظه وتحميه، فضلًا عن تَسهيل الاستخدام، وقد أعطى المصحفُ الشريف دفعةً للكتاب الإسلامي وصناعتِه (الوِرَاقة)، ومنه فن التجليد، وساعَد في تثبيت مَكانتِه في صناعات العالَم الإسلاميِّ وفنونه المهمَّة، بعَدِّه - أي المصحف - كتابَ المسلمين الأول ودستورهم المُقدَّس، ثمَّ تتابعتْ مختلف العلوم والمعارف بنُصوصها وأوراقها ومجلَّداتِها.
متحف الفنون الإسلامية ماليزيا
مصر المملوكية - القرن العاشر الهجري تقديرًا
وعمليَّةُ التجليد، تَسبقها عمليَّات أخرى لإنتاج الكتاب المَخطوط، أهمها: صناعة مادَّةِ حامِل الكتابة؛ من رَقٍّ (جلد مُرقَّق للكتابة) أو ورَق أو بَردي، وتحضير مواد الكتابة؛ وهي صناعة الأحبار والأمِدَّة، إضافة إلى الأصباغ والألوان في حال وجودها، ثم النِّساخَة أو الكتابة، وأخيرًا التجليد.
فبعد أن يُتمَّ الناسِخُ (أو الخطَّاط) عملَه في ترتيب أوراق الكتاب وتنسيقِ صفحاته بما فيها مساحات الكتابة، ثم كتابة نَصِّ الكتاب ذاته، وإن وُجد المُزَخرِف والمُذَهِّب في تزيينهما الكتاب، يبدأ عمَل المُجلِّدُ عادةً بترتيب أوراقه على هيئة كُرَّاسات (ملازم)، وخياطتها مَعًا لتتكوَّن كتلة الكتاب، ثمَّ تقفية الكعب (أي: جعله مُقبَّبًا غير مستوٍ) ولصق الكرّاسات بالغِراء، ثمَّ تأتي دفوف الكتاب الداخليَّة (البطائن) وتركيبها وكذلك الأغلفة، ثمَّ مرحلة التشبيك؛ أي: لصق كتلة الكتاب بالحَبْكَة مِن جهة الكعب، وأخيرًا كان يتوجَّه إلى تزيين الغِلاف وزخرفتِه.
وقد جاءتِ المخطوطات المنتَجة في العالم الإسلامي في أشكالٍ مختلفة؛ ففي حين جاء بعضُها مُجلَّدةً ومخيَّطة الكراسات، جاءت أخرى غير مجلَّدة؛ إمَّا مضمومة الكرّاسات في قِطعةٍ مِن الجلد، أو مَحفوظة في أوعيةٍ أخرى، كما كانت بعض المخطوطات تُحفظ في أوعيةٍ إضافيَّةٍ؛ مثل الصناديق والأقربةِ والحقائبِ، وكانت الأغلفة تُصنع من موادَّ مختلفةٍ، منها: الجلود، والأقمشة، وطلاءُ اللَّك (اللاكيه)، إضافة إلى التزيين بالمعادن والاحجار الكريمة أحيانًا.
متحف الفنون الإسلامية ماليزيا
الصين / القرن 12-13 هـ تقديرًا (رقم 2013.7.113)
أما التِّقنياتُ الفنِّية المستخدَمة في تزيين الأغلفةِ، فشمِلتِ الرَّشْمَ أو الزخرفة بالأدوات، والضَّغطَ بالأختام والقوالب الجاهزة، والتفريغ (بالقطع في الجلد والدفَّة)، كما تضمَّنتِ التذهيبَ والتلوين، وقد تعدَّدتْ أنماطُ زخارف الغلاف من هندسية ونباتية وكتابية، وأحيانًا زخارف تصويرية.
فضلًا عن ذلك؛ فإنَّ فَنَّ التجليد الإسلاميَّ لم يكتفِ فقط بالاعتناء بتصميم غلافَيِ الكتابِ وتزيينهما، وإنَّما اعتنى أيضًا بعناصرَ أخرى؛ مثل البطاناتِ الداخليَّة للأغلفة، وكذلك اللِّسان أو المرجع، وهو الجزء الراجِعُ مِن الغلاف الأيسَرِ على الأيمن، وهي خَصِيصة ارتبطَتْ بالتجاليد الإسلامية، كما تضمّن كذلك عناصرَ أخرى؛ منها قَنطرة اللِّسان أو المرجع الأصغر (وهو ما يصِل اللِّسانَ بالغِلاف الأيسر)، وكعب الكتاب؛ وهي عناصِر كان يتمُّ تصميمها جميعًا بشكلٍ جماليٍّ متقن، إضافةً إلى تأديتها الغرَض الوظيفي لها، مساوقة لخاصيَّتين مِن خصائص الفنون الإسلامية عامَّة؛ الوظيفيَّة والجمال.
وتشرف على المعرض د. هبة نايل بركات، وتنفذه نورول الإيمان روسلي، وأميرة صالح وزهرة خادمي، كما يصاحب المعرض إصدارَ دليلٍ مصور (كاتلوج) للتجاليد، مع وصفٍ لها، مسبوقًا بدراسةٍ موجزةٍ حولَ تاريخ التجليد الإسلاميِّ، وتقنياته الصناعيَّة والفنِّية.
إلى جانب ذلك، يقيم المتحفُ مجموعةً مِن الفعاليَّات والأنشطة؛ منها محاضرة لكاتب المقال بعنوان: "من خلال أعيُن الصُّنَّاع: التجليد الإسلامي في المصادر التاريخية"، إلى جانب محاضرات ووِرَش عملٍ أخرى، وأنشطة للأطفال والناشئة تُعرِّفُهم بالمخطوط وفنِّ تجليده، وتحبِّبهم فيه.
يُذكَر أنَّ متحف الفنون الإسلامية بماليزيا أحد المتاحِف العالميَّة المتخصصة في الفنون الاسلاميه وهو المتحف الأكبر مِن نوعه في جنوب شرق آسيا، وقد أصبح المتحف بتوافُد الزُّوَّار عليه أحدَ المعالم والمقاصِد السياحيَّة لكوالالمبور، وهو يَحتوي على اثنتي عشْرةَ قاعةً تتضمَّن مختلفَ أنواع الفنون الإسلامية وموادِّها، وهي: المصاحفُ والمخطوطات، والعمارة، والمسكوكات أو النُّميَّات (النقود المعدنية) والأختام، والأسلحة، والمجوهرات، والمنسوجات، والمعادن، والسيراميك، والخشب والحياة اليومية.
إلى جانب ثلاث قاعاتٍ مُخصَّصة لآثار فُنون المنطقة: الملايو، والصين، والهند المغولية، ويقيم المتحف إضافة إلى القاعات الثابتة معارض متجددة سنويًّا؛ مثل معرض التجليد هذا، بعضها يتنقَّل بين متاحف أستراليا وبريطانيا والإمارات العربية المتحدة، وغيرها.
المصدر :
تعليقات
إرسال تعليق